فن يجرح ولايدمى  

مرسلة بواسطة عربية







روابط من إسلام أون لاين
§
سهام كاريكاتيرية من الجعبة الإلكترونية
لوحة للفنانة أمية جحا
إنهم رسامو الكاريكاتير العرب الذين ملئوا الدنيا، وشغلوا الناس في الآونة الأخيرة، ومن قبل بسهامهم الإبداعية الحية التي صوّبوها إلى السياسات المنحازة بأقلامهم وأوراقهم، وهي أسلحتهم في المقاومة، التي لا تُعد بالهينة، وخصوصًا عندما ينطلق السهم الكاريكاتيري من موقع إلكتروني على الإنترنت له صداه في العالم، أو من ماكينات طباعة صحيفة واسعة انتشار وصيت.. هنا يتحول السهم أو الرسم الكاريكاتيري الصغير إلى قذيفة مدوّية تفضح الممارسات اللاإنسانية هنا وهناك أمام عيون البشر الذين لا يزالون يحتفظون بشيء من إنسانيتهم.
وعلى حد ما صرح به فنان الكاريكاتير المصري "محمد عفت" لـنا فإن رسّامي الكاريكاتير العرب -وهو أحدهم- يؤمنون بأهمية دورهم الفني في عصر الاتصالات والرسائل سريعة الانتقال، وهم يريدون أن يقوموا بدورهم على أكمل وجه، ويقول عفت -الذي يعمل في مؤسسة أخبار اليوم الصحفية المصرية، وقد حصل على العديد من الجوائز العالمية في الكاريكاتير-: سيظل المبدعون والفنانون والمثقفون عموماً صُناعًا للأحداث مهما قال العسكريون غير ذلك. ويرى عفت أن الرجوع إلى التاريخ غير البعيد كفيل بإثبات دور الإبداع في الحركات الاجتماعية الكبرى والثورات وحركات التحرر وأفعال المقاومة، يمكننا أن نلمس ذلك عبر تاريخ طويل.. فعلى سبيل المثال كانت كتابات المفكرين ورسوم الفنانين هي الوقود الحقيقي للثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر الميلادي.
بطل العائلة البصرية
لوحة للفنان جعفري
والأمر الذي يضاعف أهمية الدور الذي يلعبه الفن الكاريكاتيري أنه يحظى -بين عائلة الفنون البصرية- بمزيد من الاهتمام في العالم، ويأخذ حيزًا كبيرًا في واقع الحياة اليومية للناس، سواء تم نشره في الصحف والمجلات، أو بثته مواقع الإنترنت. وقد ولد فن الكاريكاتير الصحافي أساسًا في أوروبا. ويدعي الإيطاليون أنهم مؤسسوه أثناء عصر النهضة؛ حيث نما هذا الفن في أعمال الفنان الكبير تشيمبولدو، كما عبر الفنان ليوناردو دافنشي عن سخطه واستيائه من الحرب؛ فرسم معركة "دانجاري" الشهيرة التي وقعت بين الفلورنسيين وأعدائهم بأسلوب تهكمي كاريكاتيري. ويرى آخرون أن التاريخ يؤكد أن الفنانين الفراعنة هم أول الممارسين لهذا النوع من الفن.
ولأن فن الكاريكاتير يقترن في معظم الأحوال بالسياسة والقضايا الكبرى في الوطن العربي، فإن ذلك الاقتران يضيف بُعدًا جديدًا إلى أهمية هذا الفن. ويتفق معظم فناني الكاريكاتير العرب -ومنهم البحريني "عبد الله المحرقي" والسوري "علي فرزات" والمصري "جمعة فرحات" وآخرون، فيما بثوه في افتتاحيات مواقعهم على الإنترنت، وصرحوا به في ندوات ومهرجانات- على أن فن الكاريكاتير هو أقرب الفنون قاطبة إلى الناس؛ لكونه فنًّا ساخرًا وطريفًا، والناس بطبيعتهم يميلون إلى السخرية والطرافة. ومن هذا المنطلق ففنان الكاريكاتير يجب أن يكون صاحب موقف، وعادة ما يدفع الفنان الأصيل المناضل ثمن هذا الموقف، وأحيانا يكون الثمن باهظًا يصل إلى التضحية بالحياة في سبيل هذا الموقف مثل الشهيد الفلسطيني الفنان "ناجي العلي" الذي دفع حياته ثمنًا لدفاعه عن القضية الفلسطينية.
حنظلة لم يكن محايدًا فحسب
لوحة للفنان ناجي العلي
وكان الفنان الراحل ناجي العلي -المولود عام 1938- قد استشهد في عام 1987 عقب إطلاق النار عليه في جنوب غرب لندن، وهو يُعد رمزًا لفناني الكاريكاتير المناضلين في الوطن العربي. وقد تميز بطله الشهير في العديد من رسومه "حنظلة" بأنه لم يكن شاهدًا ومحايدًا فحسب؛ بل هو تعبير عن الضمير الجمعي للشعب العربي الفلسطيني، وابن الأرض المتشبث بها والذي لا يمكن اجتثاثه وتجاوزه والشطب عليه.
وعلى الدرب الذي سار عليه ناجي العلي يسير نخبة من الرسامين والرسامات العرب في الآونة الأخيرة، وقد كثف هؤلاء الفنانون والفنانات من إطلاق سهامهم الكاريكاتيرية ضد شارون وحكومته وآلته العسكرية ومناصريها، وذلك بعد تصعيد إسرائيل لهجماتها الشرسة ضد الفلسطينيين العزل، وفرضها التصفية والحصار والسجن على رموز السلطة ورجالات المقاومة.
ويُعد موقع الفنانة الفلسطينية أمية جحا على الإنترنت مصنعًا فنيًّا للذخيرة الإبداعية المتفجرة في وجه العدو باستمرار، ويواصل الموقع تحديثاته باستمرار لملاحقة الاعتداءات الصهيونية، وفضح أفعاله الدنيئة، واستنكار ردود الفعل الباهتة في الوطن العربي.
وموقع الفنانة "أمية جحا" -على حد تصريحها في افتتاحيته- يتعرض لهجوم صهيوني من آنٍ لآخر، وخاصة في الآونة الأخيرة، وكذلك البريد الإلكتروني الخاص بها، وتبذل إدارة الموقع كل جهدها بشكل يومي من أجل التصدي لهذا الأمر.
وثمة موقعان متميزان آخران، وهما موقع "الجبهة" ، وموقع "الصديق الفلسطيني" ، وهما يضمان لوحات كاريكاتيرية عديدة للفنان الأردني "أمجد رسمي" والفلسطينية أمية جحا وغيرهما. ومن لوحات "رسمي" الهامة لوحة تجسد "أدوار البطولة في فيلم السلام"، على حد تعبيره، مبرزًا مواقف الشخوص المختلفة في صف أفقي واحد. ويقدم الفنان عدنان بن علي رسومه ضمن صفحات موقع "رسوم".
وضمن صفحات موقع "آرابيا دوت كوم" يعرض نخبة من رسامي الكاريكاتير العرب إبداعاتهم النضالية. ومن بين أبدع ما تم بثُّه كاريكاتير للفنان الأردني "جعفري" يوضح استهانة إسرائيل بوعودها بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية، وكاريكاتير للفنان القطري "صادق" يجسد وجه شارون في عدة لقطات فارقة.
وإذا كانت رسوم الكاريكاتير أو سهامه المصيبة التي تنطلق من مواقع الإنترنت الكبرى تحقق أهدافها المرجوة بشأن فضح الصهيونية والأنظمة المتواطئة والساكتة والضمائر المحفوظة في الثلاجة -فإن الرسوم المنشورة في كبريات الصحف العربية تحقق دورًا ليس أقل أهمية. والواقع يؤكد أن رسامي الكاريكاتير العرب قد تكاتفوا بصورة لا مثيل لها من قبل من أجل الدفاع عن فلسطين بصورة يومية من خلال رسوم الكاريكاتير التي تشغل صفحات معظم الصحف والمجلات العربية.
التغيير.. من الفنية لا الشعارية
لوحة للفنان صادق
ومن الرسوم البديعة التي نشرتها الصحف العربية بعد تصاعد العدوان والاجتياح المتكرر للأراضي المحتلة كاريكاتير للفنان "فرج حسن" في صحيفة "الأهرام" المصرية يجسد عجز وخوف الأمم المتحدة من التحالف الإسرائيلي الأمريكي.
وآخر للفنان "سعد الدين" في الصحيفة ذاتها يتهكم من باول الذي يقول: "لا يوجد دليل مادي على وجود ضحايا في جنين"، بينما تبدو جماجم الأطفال على مقربة من بصره.
وثالث للفنان "ربيع" في جريدة "الرياض" السعودية يصور انحياز الإعلام الغربي للإسرائيليين؛ حيث يلقي الضوء على إصابة إسرائيلي، بينما يتجاهل مقتل خمسمائة فلسطيني.
وكاريكاتير للفنان "محمود كحيل" نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" يجسد عرفات وهو يشير بعلامة النصر والرفض معًا.
لوحة للفنان ربيع
ورسم للفنان الزاواوي في مجلة "الأهرام العربي" المصرية يصور كيف أن أمريكا تحرك الدبابات الإسرائيلية عن بعد بـ"الريموت كنترول" لكي تتوغل في الأراضي الفلسطينية!!
إننا بما استعرضنا ندرك أن مسئولية الفنان -أو الأديب- هي أن يجسد الروح المقاوِمة، وهو ما أصبح يستدعي بالضرورة استبعاد اللافتات الزاعقة المتكلفة والالتزام بحركة الحياة الدائبة بقضاياها وإنسانيتها وتطورها، فلم تعد شعارية الفن المقاتل كافية في الوقت الراهن -كما يرى الروائي والناقد السوري "نبيل سليمان"- وإنما يجب أن تتحقق الثورية من فنية العمل الفني نفسها لا من شعاريته. وكما يقول آرنست فيشر: "يجب أن يسلّم الفنان بأنه لا يعمل في فراغ، وأنه في آخر الأمر ملتزم بالمجتمع"، فليست وظيفة الفن أن يدخل الأبواب المفتوحة، بل أن يفتح الأبواب المغلقة.

This entry was posted on 3:39 م . You can leave a response and follow any responses to this entry through the الاشتراك في: تعليقات الرسالة (Atom) .

0 التعليقات